Thursday, June 14, 2007

حارة بندق

بعد يوم حافل من المشاكل والصراعات فجأة وجدتنى ارتدى ملابسى على عجل ووجدت قدماى تقودنى الى ناصية الحارة بدون سابق إنذار برغم من بعد المسافة بين منزلى الذى اقطن به والحارة ، كان مجرد ذكر اسم الحارة سابقاً يثير فى نفسى السخط والاستياء - خاصة بعد ان عرفت ان هذا الاسم كان لصاحب سوابق يعتبر اول من اشترى ارض وسكن بها ثم توالى الاقارب من بلدياته واستقروا بجواره ومات هو ودخل الحاره الكثير من الناس سواء سكان اواصحاب املاك - و وجدتنى فى منتصفها و الذكريات تدافع الى مخيلتى عن اول يوم دخلت فيه الى هذه الحاره والذى ارتسم فى ذهنى بذكريات مريره ، وبالرغم من ذلك كان لها مذاقها الخاص فى نفسى بحلوها ومرها فلقد كنا نزحنا اليها منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً من احد الاحياء الراقية أثر ما الم بنا عندما سافر والدى الى احدى البلاد الشقيقه ولم يعود واضطرت والدتى ان تنزل بنا من مستوى الحياه الذى نعيشه الى البحث عن احدى الشقق الرخيصة والتى تتناسب مع ظروف الحال وطرقت أبواب العمل والذى كان لايبعد عن مكان الحارة كثيراً وكانت الدهشه انطباعى الاول للجالسين على ابواب المنازل والاحاديث التى تدور من خلال البلكونات والشبابيك المتقاربة الشدة و كان من أبرز شخصياتها على الاطلاق- ام الشحات - سيده فى منتصف العمر سمراء قصيره نحيفة القوام - ذات تقاطيع وجه متناسقة تنم عن جمال بسيط هادىء لا يشوبه سوى خط الكحل العميق الذى تضعه حول عينيها العسليتين- و ما ان دخلنا ابواب الحارة حتى نهضت مسرعة تستقبلنا وتستفسر من نحن ثم تساعدنا هى واولادها فى نقل الاثاث المتبقى لنا الى داخل الشقة الصغيرة فى الدور الأرضى الذى كانت تنشع فى جدرانه الرطوبه وتهم بالشباب الواقف على الناصية ان يساعدنا فى ادخال اشياءنا الى ان تم فرش الشقه وأستأذنت 00 لتحضر بعد قليل ومعها طبق من البصاره وعدد 4 أرغفه بعددنا - ويمين بالله ان نأكل والا لن تعرفنا العمر كله - و لن انسى طعمها ما حييت برغم اننى ما كنت لاتذوقها لولا جوعى الشديد 0ومنذ دخولى الحارة متأففه من كل ما يدور حولى - ومن هذه السيده الحشرية وهل تعرفنا وما هذا الاكل الذى تحضره لنا 000 الا ان بعد مضى فترة اكتشفت انام الشحات كانت تعتبر محور موضوع الحاره والتى اصبحت فيما بعد محور حياتنا ايضا - لما لها من صلات بكل فرد صغير ام كبير فى الحاره ومواقف لا تنسى ومواقف ينساها الناس بمرور الوقت ويتعاملوا معها مرة اخرى كجزء من كيان هذه الحاره - كان زوجها يعمل سائق لاحدى اللواءات بالجيش ثم على سيارة نقل لاحدى المتعهدين ولها من الاولاد سبع ثلاث ذكور واربعة أناث اكبر منا انا واختى فى العمر واخى الصغير 00 فكان لها مقدرة عجيبه فى معرفة كل صغيرة وكبيرة بها تقف بجانب من سوف تزوج ابنتها من اول عمل الجمعيات للجهاز حتى التحضير للفرح والطبخ والغرف والترحيب بالمعازيم - تعرف من مرض ومن خرج من منزله اليوم ومن اصابته وعكه ولوخفيفه 00 تسحب طرحتها السوداء وتهرول للاطمئنان عليه - رجلا كان او سيده 00 طفل صغير00 كبير كان الكل عندها سواء تجدها تنادى على احدى بناتها 00روحى يا بت يا كوثر ساعدى خالتك ام عباس 00 مالك واقفة كده ليه - انجرى يا بت الست تعبانه وبتغسل الغسيل والكوم كبير عليها 00 وتجرى البنت لتساعد - بدون مقابل بدون كلل او تذمر بنفس راضية طيبة 00 عركه فى الحى 00 اول من يذهب ليفض العركه ويصالح المتخاصمينوما عرفناه بعد ذلك انه عندما تغضب الخاله ام الشحات فليس لها ظابط او رابط - غضب بلا حدود مثل الطيبة التى بلا حدود كان غضبها -ولطالما سمعنا صوتها وهو يرن فى الحاره بالشتيمه والردح ويكون اليوم هو يومها الذى لن تطلع له شمس حتى تهدأ 00 ثم سرعان ما تتصالح وكأن شىء لم يحدث 00 تنادى على احدى الجارات لتأكل معهم لغياب زوجها عن البيت تعالى يا ام حسن اتغدى معانا يا ختى حا تتغذى لوحدك والا ايه 00 لا والله ابدا ما يكون انزلى ياللالقمه على ما قسم خللى البركه تحل فى الاكل 00ومرضت والدتى من اثر رطوبه الجدران 000 مرض شديد ولم نجد حولنا سوى ام الشحات وبناتها من نظافه المنزل الى الطبخ وخدمة المريضة 00 حتى عافاها الله واثناء ذلك علمنا انها ذهبت الى صاحبة المنزل الذى تقيم هى فيه لكى تجد لنا مكان باحدى الشقق به فى الدور الرابع والذى لم يتم انهاؤه ومع الحاحها وافقت ام السيد ووعدتها فى ظرف شهر ان شاء الله ستكون الست فى الشقة واتت مسرعة لتبشرنا بقرب انتهاء مشكلتنا مع الرطوبه و0000 تتبع

ومن هنا بدأنا نقترب اكثر من حياة ام الشحات - والحياه التى تحياها مع زوجها الذى يعمل يوم ويتعطل خمس وكان كل همه الاكل - رجل من الصعيد يكبرها بسنوات طويل عريض ابيض الوجه ذو صوت عالى مجرد ان يتحدث وكأنه يتخانق نسمعه من الدور الرابع يدخل فى مناقشات لا نفهم منها شىء جلسته فى حوش البيت 00 تخرج ام الشحات الى الحوش الذى يغلب عليه الاسمنت اكثر من البلاط تمسحه وتنظفه وتفرش الحصيره وتضع الطبلية ويلتفوا جميعا عليها 00 لايهم من يمر عليهم من السكان ومن يطلع تسمع بين الحين والاخر اتفضل 00 والله تتفضل 00 او اتفضلى معانا لقمة 0000فى اوقات تعطله عن العمل يكثر الشجار يضربها يضرب الاولاد ويعلو صوتهم يحضر اهالى الحاره يفضوا الاشتبكات 00 بعد ان يكون مزق لها ملابسها وشعرها 00 تحوطها النسوة يطيبوا خاطرهارجلك ياختى هو انتى لك غيره 00 قومى اغزى الشيطان واغسلى وشك ده انت وراك كوم لحمترتدى الطرحه السوداء وتحمل فى يدها زكيبه بلاستيكية وتذهب الى امها وتغيب حتى مطلع العصر 00تجلس بجوار امها - العيال عايزه اكل يا امه الراجل قاعد فى البيت من اسبوعامها - وحا اجيب لك منين 00 وانا حا اصرف عليكم وعلى الحيطه ده ما يدور على شغل ايه اللى مقعده فى البيت يا امه مش لاقى شغل هو بيعرف الا السواقه والسوق نايم ومافيش حد عايز يشغلهالام - ماهو من لسانه الطويل وصوته العالى وطبعه اللى زى الزفتام الشحات - طيب اعمل ايه ما انتى اللى جوزتينى ليه - انا عارفه كنتم متسربعين عليه كده ليه ده انا ماكنتش كملت اربعتاشر سنة 00يحن قلب الام وتدخل الحجرة التى تسكنها وتحملها بعض الاشياء ومبلغ بسيط فى يدها خدى اشترى عيش بقى وانت ماشيه تاخذ الاشياء وهى منكسره وتعود 00 تجده نائماً - تطهى الطعام 00 اصحى يا ابو شحات الاكل00اتأخرتى ليه كده كل ده عند امك وهو ده اللى حنت عليكى بيه 00يوم اخر من ايامهم 00 يذهب الى عمل وجده بعد جهد يغيب يوم 00 يومان ثم يعود محمل بما لذ وطاب من الطعام - ام الشحات يانهار ابيض ايه ده كله يا راجل انت صرفت كل القبض اللى قبضته 00 كلوا ياللا كلوا 00 نادى ام اسماعيل وام الجن 00 ونادى الست اللى فوق خليها تنزل هى والاولاد ياللا خير ربنا كتير ويجلسوا اخر اليوم يتسامروا ويتضاحكوا وهو فى وسطهم - شخص اخر غير الذى يعرفونهوهكذا تمضى الايام بها وهى لاتمل ولا تكل 00وكبروا الاولاد بعد ان تسربوا واحدا تلو الاخر من التعليم 00 وتزوج بعضا من البنات 00وكبرنا نحن ايضا وتخرجنا واصبحت اكثر قرباً من ام الشحات برغم كل شىء - وجدت فيها اشياء كثيرة كنت اتمنى ان تكون فى قوة التحمل والصبر على الهموم - خاصة بعد ان توفى الشحات فى حرب 67 واحتسبته عند الله - مشاكل بناتها مع ازواجهم وضيق اليد 00ولكن لم تشتكى او تمل لم تمد يدها لمخلوق انزل على السلم اجدها ترفع يدها للسماء تدعو وتزوجنا وخرجنا من البيت وكان ليوم زواجى قصه لا يمكن ان انساها ابداًاحتارت والدتى اين سوف يكون الفرح والشقة ضيقه ولن تتسع للرجال والسيدات والاطفال والطعام الذى سوف يقدم للمعازيم 00وفوجئنا جميعا بالحل الذى جاءت بهولا تزعلى ياختى كله ان شاء الله حا يتقضى - انا كلمت الست ام حسين اللى فى الشقة اللى تحت حا نفضى الشقة وكتب الكتاب والرجالة حا يكونوا تحت عندها والستات فى شقتك اما الاكل فلا تحملى همه احسن اكل حا اعمله انا والحبايب والاولاد فى شقتى ما هى اختهم 00وكان كل شىء على احسن ما يرام 00 الى ان اوصلتنى الى باب التاكسى وهى تدعو لى 00 بهدو السر والذرية الصالحة 0وهكذا كان الحال مع اخواتى وتركنا البيت ولم يعد هناك الا امى - والتى برغم كبر سنها عنها الا انها كانت بين الحين والاخر تصعد اليها وتجلس تتسامر معها عن من سافر الى الخارج ومن جاء وعن النفوس التى تبدلت وعن احوال الحارة التى اصبحت لا تسر 00 بعد ان مضى الكبار وكبر الصغار التى ربتهم وكبرتهم واصبحوا يأتوا ولا يزوروها كما مضى ونسيوا انهم جميعا نزلوا على يدهاوكنت ازور والدتى وكان لزاما على ان امر على شقتها اجلس بجوارها اربت على يدها وكتفها توفى الزوج 00 تزوج الاولاد لما يبقى معها سوى ابنة واحده 00 ضعف بصرها وهدها المرض 00 ومازالت هى ام الشحات 00 يتبع



ادخل المنزل بابها مغلق اسأل امى اين ام الشحات 00اخذتها بنتها عندها لم تعد تستطيع الحركة بمفردها 00 ارفع سماعه الهاتف 00 كيف حالك - يأتى صوتها ضعيف ولكن تملؤه الفرحه ياااااااااااااااه 00 انت فين يابنتى وحشانى نفسى اشوفكمعلهش ياخاله مشاغل والله وانتى عارفه الاولاد والعمل والبيت 00كان الله فى عونك 00 ربنا يفرحك بيهم 00 جنبك عامل ايه 00 لسه الوجع بيجيلك ربنا يزيح عنكالحمد لله يا خاله انتى اللى عامله ايه 00 مش احسن الحمد لله00الحمد لله على كل شىء عايزه اشوفك00اذهب الى امى اجد باب ام الشحات موارب 00 ادق الباب تفتح احدى بناتها كيف الاحوال ازيها - الحمد لله صممت انها تيجى الحاره وشقتها وتنام على فرشتها 00 من يومين وهى بتلح على 00ادلف الى الداخل ارى جسد نحيل يرقد على الفراش ولكن مازالت الابتسامه الطيبة ترتسم على ملامحها برغم الالم الذى تعانيه 00 اهلا 00 مينانا يا خاله انتى مش عارفانى 00يا حبيبتى 00 ده صوتك اعرفه من بين الف صوت ازيك يابنتى وحشانى ازى رجلك واولادك ربنا يبارك لك فيهم ويوسع عليكم ويديم عليكم رضاه 00ترتكز على حافة السرير تضع يدها فوق رأسى تتمتم ببعض الايات القرآنية 00 تسألنى مالك يابنتى 00 انا حاسه بك 00 برغم هداوتك - طول عمرى باحس بك اول ما انظر فى وشك 00 لكن البصر ضعف - وشايفاك بقلبى - حاسه بصوتك مش عاجبنى00تنحدر دمعه من عينى 00 الف سلامه يا خاله ربنا يعافيك 00 انا الحمد لله المهم انت00 اضع فى يدها مبلغ بسيط 00 معلهش ياخاله لم اعرف انك حضرت كنت احضرت معى اى فاكهة من اللى بتحبيها تبتسم 00 تعرفى انا كان نفسى فى ايه 00 كان نفسى اكل شويه بصارة من بتوع زمان- 00 الحمد لله على كل شىء0يدق الهاتف 0 امى 00 احضرى حالا واتصلى باخواتك 000 خير يا امى 00 البقاء لله 00 خالتك ام الشحاتانهار فى بكاء صامت اخطف طرحتى وملابسى السوداء واهرول 00 يااااااااااااااااااااااااااااه ما كل هؤلاء البشر من اين اتوا 00 المكان لايتسع للنسوه ولا للرجال الذين جاءوا يحملونها الى مثواها الاخير 00تبدأ الجنازة 00 تمتلىء الحارة من اولها الى آخرها وفى الميدان الواسع على ناصية الحاره مئات السيارات تنتظر - اتعجب لهذا الموقف المهيب 00 لم تكن جنازه عادية بل شبه مظاهرة من كل الفئات من كل جهات مصر اناس اعرفهم وكثيرين لا اعرفهم من اين اتت كل هذه الجموع 00 اسير وراءها وانا لا ارى الطريق 00اسمع صوتها 00 يابنتى الدنيا لسه بخير والناس الطيبة كتير بس الدنيا هى اللى لاهية الناس 00 والعمل الطيب بيقعد لصاحبه 00 اخرج من الحاره مسرعة بعد ان تغير فيها كل شىء 00السيارات التى اصبحت تسد الطريق 00 الوان النوافذ المغلق معظمها 00 اولاد صغار يتصايحون 00 احدى الجارات تتهامس فى خبث مع الاخرى 00 ناس غير الناس وحاره غير الحاره 00 اذهب الى هناك الى قبرها اخط بيدى كلمات 000أعطت الكثير ولم تنل من الدنيا سوى همها 00 أسألك يا الله ان تجزل لها عطائك من خيرك فى الجنه 0000000000000

No comments: